اسم الکتاب : مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد المؤلف : نووي الجاوي، محمد بن عمر الجزء : 1 صفحة : 599
العسل والقرآن. إِنَّ فِي ذلِكَ أي في اختصاص النحل بتلك العلوم الدقيقة وفي اهتدائها إلى جمع الأجزاء العسلية من أطراف الأشجار والأوراق لَآيَةً أي لعبرة لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69) فإن من تفكّر في شؤون النحل جزم قطعا بأن لها خالقا قادرا حكيما يلهمها ذلك وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ فإن خالق الأبدان هو الله تعالى ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ أي يقبض أرواحكم عند انقضاء آجالكم فإن الحياة والموت إنما حصلا بتخليق الله تعالى وبتقديره وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ أي أحقره وهو الهرم.
قال العلماء: عمر الإنسان له أربع مراتب:
أولها: سن النشوء وهو من أول العمر إلى بلوغ ثلاث وثلاثين سنة وهو غاية سن الشباب.
وثانيها: سن الوقوف وهي من ذلك إلى أربعين سنة وهو غاية القوة وكمال العقل.
وثالثها: سن الانحطاط القليل وهو سن الكهولة وهو من ذلك إلى ستين سنة.
ورابعها: سن الانحطاط الكبير وهو سن الشيخوخة وهو من ذلك إلى خمسة وستين سنة وفيه يتبين النقص والهرم.
قال علي بن أبي طالب: أرذل العمر خمسة وسبعون سنة
. وقال قتادة: تسعون سنة. وقال السدي: إنه الخرف أي زوال العقل. وقيل: والمسلم لا يزداد بسبب طول العمر إلا كرامة على الله تعالى. وقال عكرمة: من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً أي ليصير إلى حالة شبيهة بحال الطفولية في نقصان العقل وسوء الفهم وفي النسيان إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بمقادير أعمالكم قَدِيرٌ (70) على تحويلكم من حال إلى حال وكان الإنسان ميتا حين كان نطفة، ثم صار حيا، ثم مات فلما كان الموت الأول جائزا كان عود الموت جائزا فكذلك لما كانت الحياة الأولى جائزة وجب أن يكون عود الحياة جائزا في المرة الثانية، ومتى كان الأمر كذلك ثبت أن القول بالبعث والنشر والحشر حق.
وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ أي فاوت بينكم في الرزق كما فاوت بينكم في الذكاء، والبلادة، والحسن، والقبح، والصحة، والسقم فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي
رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ
أي فليس الذين فضلوا في الرزق على غيرهم بجاعلي رزقهم لعبيدهم حتى تكون عبيدهم فيه معهم سواء في الملك وهم أمثالهم في البشرية والمخلوقية والمرزوقية.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت هذه الآية في نصارى نجران حين قالوا: إن عيسى ابن مريم ابن الله فالمعنى أنكم لا تشركون عبيدكم فيما ملكتم فتكونون سواء فكيف جعلتم عبدي عيسى ابنا لي وشريكا بي في الإلهية أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71) فإن من أثبت لله شريكا فقد أسند إليه بعض الخيرات فكان جاحدا لكونها من عند الله تعالى، وأيضا إن أهل الطبائع وأهل
اسم الکتاب : مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد المؤلف : نووي الجاوي، محمد بن عمر الجزء : 1 صفحة : 599